من ذكريات طه حسين

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حرمت على نفسي من الوان اللعب وكل شيء الا ما لا يعرضني للضحك او الرحمه فكان احب اللعاب الي ان اجمع شيئا من حديد اخلو به في زاويه من البيت فأجمعه وافرقه واضرب بعضه ببعض حتى اذا تعبت وقفت على اخوتي وهم يلعبون فشاركتهم في اللعب بعقلي لا بيدي وانصرافي هذا عن اللعب حبب الي الاستماع الى قصص والاحاديث.
وكان ابي وجماعته من اصحابه يحبون القصص حبا شديدا فاذا صلوا العصر اجتمعوا الي احد منهم يقص عليهم قصص الفتوح والغزوات واخبار عنتره واخبار الانبياء والرجال الصالحين كنت اقعد على مسافه منهم وهم عني غافلون ولكني لم اكن غافلا عما اسمع بل ما اكن غافلا عما يتركه القصص في نفوس السامعين من الاثر .
وكان القوم اذا غربت الشمس يتفرقون الى طعامهم اذا صلوا العشاء اجتمعوا فتحدثوا مده الليل . وكنت اجلس فاسمع في اول الليل كما كنت اسمع في اخر النهار.
والنساء في قرى مصر لا يحببن السكوت فاذا خلت المرا الى نفسها ولم تجد من تتحدث الي نفسها فغنت ان كانت فرحه, وعددت ان كانت محزنه,وكل امرأه من مصر حزينه حين تريد.واحب شيء الى المرأ ان تذكر الامها وكثيرا ما ينته هذا التعديد الى البكاء حقا, وكنت اسعد الناس بالاستماع الى اخواتي وهن يتغنين الى امي وهي تعدد ,وكان تعديد امي يهزني هزا شديدا وكنت ابكي معها بكاء مرا وعلى هذا النحو حفظت كثيرا من الاغاني وكثير من التعديد وكثير من القصص وحفظت كذلك الصلوات التي كان يتلوها جدي الشيخ الاعمى.
كان جدي يقيم في بيتنا فصل الشتاء من كل سنه . فكان يصلي الخمس لاوقاتها ولم يكن لسانه يسكت من ذكر الله وكان يستيقظ اخر الليل ليقرا صلاه السحر . وكان ينام ساعه متاخره بعد ان يصلي العشا ويقرا الكثير من ايات القران . وكنت انا حجرة مجاوزه لحجره هذا الشيخ. فكنت اسمعه وهو يقرا.وكنت احفظ ما يقرا حتى خفظت منه شيئا كثيرا ولم ابلغ التاسعه من عمري حتى كنت قد حفظت من الاغاني والتعديد والقصص جمله صالحه, وحفظت الى ذلك كله القران...