نماذج القدوة
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن يقتدوا بأفعاله في أهم الأعمال وأفضلها، كقوله لهم في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي.." [البخاري (1/155)] وكان يعلّمهم الصلاة بالفعل مع القول. وقال لهم في الحج: "لتأخذوا عني مناسككم" [مسلم (2/943)].
النماذج القرآنية الصالحة من الأنبياء وغيرهم هي قدوات وأسوات على مستوى عال ورفيع ، بل هم القدوات المطلقة ، وما عداهم فقدوات محدودة .
فالنبي نوح (عليه السلام) قدوة في الصبر على جفاء الناس وإعراضهم عن الحقّ .
والنبي إبراهيم (عليه السلام) قدوة في التسليم والانقطاع والطاعة إلى الله .
والنبي موسى (عليه السلام) قدوة في العفّة والأمانة والقوّة .
والنبي عيسى (عليه السلام) قدوة في البرّ والصلاح وخدمة الناس .
والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة مطلقة في ذلك كلّه وأكثر ، فهو المثل الأعلى في كلّ شيء علماً ومنطقاً وخلقاً وسيرة وقيادة وإدارة وإيماناً وصبراً على الأذى وشجاعة وحلماً ، وما دام على خلق عظيم ، وقد جاء ليتمم مكارم الأخلاق ، فإنّ مبررات الإقتداء به تحملها شخصيته العملاقة الفذّة .
وكما كان قدوة للمسلمين رجالاً ونساءً ، فإن ابنته فاطمة الزهراء سيِّدة نساء العالمين ، هي قدوة للنساء والرجال أيضاً . فالقدوة ـ كما أكّدنا ـ لا جنسية لها ، فكلّ رجل يمكن أن يصبح قدوة للرجال وللنساء ، وكلّ امرأة يمكن أن تصبح قدوة لبنات جنسها وللجنس الآخر خاصّة وأنّ المشتركات الانسانية بين الجنسين لا تجعل هناك حدوداً فاصلة إلاّ بحسب طبيعة التركيبة الجسدية لكلّ منهما .
والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة أيضاً لشباب المسلمين في شبابه الذي امتاز باستقامة السلوك والصدق والأمانة .
وهو قدوة لهم في عمله بالرعي وبالتجارة .
وقدوة لهم في سعيه الحثيث لبناء شخصيته الإيمانية في تعبّده قبل البعثة في غار حراء .
وهو قدوة لهم في كل عمل عمله ، وموقف وقفه ، وأخلاق تمسّك بها ، ودفاع مستميت عن عقيدته ورسالته ، حتى أن قريشاً لم تسجّل عليه لا في فتوته الأولى ولا في شبابه نقطة سلبية واحدة ، ولذا حقّ على شبان المسلمين وفتياتهم أن يكون لهم فيه أسوة حسنة .
والزهراء (عليها السلام) هي بضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتربيته التي أهّلتها إلى أن تكون في موقع السيادة على نساء العالمين ، والمثل الأعلى لكل فتاة مسلمة كانت أو غير مسلمة .
لقد كانت قدوة في برّها بأبيها .
وقدوة في عفافها ونجابتها وطهارتها واستقامة سيرتها .
وقدوة في علمها الذي انعكس على سلوكها ومواقفها .
وقدوة في بيت الزوجية التي بذلت قصارى جهدها لإسعاد زوجها الذي كان إذا رآها انجلت عنه الهموم .
وقدوة في تربيتها لابنتها زينب (عليها السلام) وولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) سيِّدي شباب أهل الجنّة .
وقدوة في صبرها وتحمّلها وأناتها وجلدها .
وقدوة في حوارها وبيانها وخطابها الذي يعتمد القرآن وسنّة النبي منهجاً له .
إنّها المثل الأعلى الذي ندعو فتيات المسلمين وحتى غير المسلمات إلى قراءته وتمثّله والإهتداء بهديه .
لقد ضرب الله في القرآن للشباب أمثلة كثيرة : في إبراهيم (عليه السلام)الفتى الذي حطّم الأصنام ، وفي إسماعيل (عليه السلام) الفتى الذي استسلم لإرادة الله بذبحه ، وفي (يوسف) الفتى الذي استعصم ولم يقرب الفاحشة ، وفي موسى (عليه السلام) الفتى الذي كان عفيفاً وأميناً في تعامله مع النساء .
وضرب للنساء مثلين صالحين : (وضرب الله مثلاً للّذين آمنوا إمرأة فرعون إذ قالت ربّ إبن لي عندك بيتاً في الجنّة ونجِّني من فرعون وعمله ونجِّني من القوم الظالمين * ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين )(4) .
ابنة عمران زوجة فرعون
أخرج البخاري عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنه- قال: (بِت عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النبِي صلى الله عليه وسلم مِنْ الليْلِ فَلَما كَانَ فِي بَعْضِ الليْلِ قَامَ النبِي صلى الله عليه وسلم فَتَوَضأَ مِنْ شَن مُعَلقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا، وَقَامَ يُصَلي، فَتَوَضأْتُ نَحْوًا مِما تَوَضأَ ثُم جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِه فَحَولَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُم صَلى مَا شَاءَ الله).
فهذا ابن عبّاس وهو طفل، يشاهد أمامه من يقوم الليل فيسارع بالاقتداء، فلو أننا أمرنا أبناءنا بقيام الليل بالقول فقط ما وجدتهم يستجيبون أو يفهمون ما نقول، ولكن لو استعضنا القول بمثال مؤثر يرونه أمامهم لأدركوا حينها أهميّة الأمر ولتعلّموا كيفيّته ولبادروا إلى تطبيقه، وما أكثر هذا المثال في حياتنا، فالأطفال -ذكوراً وإناثاً- تراهم يقلدون آباءهم في تنفيذ حركات الصلاة.
قال الحسن البصري: عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل "
التربية الصالحة. هذا إبراهيم بن وكيع
يقول: كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى حتى جارية لنا سوداء.
معلّم الصف إذا دخن فعليه وزر مضاعف ، وزر أنه عصى الله ، والطلاب الصغار يرون معلمهم ، وهو قدوة لهم يدخن ، فيرون التدخين من لوازم القادة ، مثلاً .
سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته ، وقال : " إني قد أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير ، إن رأوكم وقعتم وقعوا ، وايم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني " ، فصارت القرابة من عمر مصيبة .
ولما نبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه وقال: "إني اتخذت خاتماً من ذهب" فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبداً" فنبذ الناس خواتمهم فدلَّ ذلك على أنَّ الفعل أبلغ من القول.
كثيرة بحمد الله الصفحات المضيئة في تاريخنا وحاضرنا، وذكر طرف من الأخبار فيه تقوية للهمم وتنشيط للعزائم؛ لتكون قدوات يستفيد منها المسلم في نفسه ويتعدى نفعها إلى من حوله.
عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف، وهو يقول: "لم تراعوا...لم تراعوا" متفق عليه.
قال أبو العباس الرقي ـ وكان من حفاظ الحديث ـ: إنهم دخلوا على أحمد بالرقة وهو محبوس فجعلوا يذكرونه ما يروى في التقية من الأحاديث. فقال أحمد: فكيف تصنعون بحديث خباب: "إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه"؟
أمهات المؤمنين ومن سارت سيرهن .. فكوني معهن مؤتمرةً بأمر نداء الله : ( يا أيها النبيُّ قلْ لأزواجكْ وبناتكَ ونساءِ المؤمنين يُدنينَ عليهنَّ من جلاليبهن ) .. قالت عائشة رضي الله عنها : " يرحم الله نساء المهاجرات الأوَل لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرْنَ بها " ..
وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : " لما نزلت ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) خرجَ نساءُ الأنصار كأنَّ على رؤسهنَّ الغربان من الأكسية " .. إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة ..
إنه الاستسلام والخضوع والسجود الحقيقي .. تلك هي الصلاة المعبِّرة .. لا صلاة الكثيرات اللاتي يكذبُ ركوعُهنَّ وسجودُهنَّ ؛ إذ لا يُعبِّرُ عن مطلق الانقياد .. وإنما عن انقياد الهوى : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُرَدُّونَ إلى أشدِّ العذاب وما الله بغافل عمَّا تعملون ) ..
وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم بكل فعالية واقتدار أخلاقيات وسلوكيات القدوة الحسنة في شأنه كله في الحرب والسلم ففي غزوة الخندق كان يحفر بيده الشريفة مع أصحابه وكان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، وكان لهذه القدوة أكبر الأثر في نفوس الصحابة وتجلت عظمة أثر هذه القدوة عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلح الحديبية أن يتحللوا من العمرة فلم ينفذوا وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزوجه أم سلمة ( هلك الناس أمرتهم فلم ينفذوا ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم . قالت له ( أفعل أنت ذلك حتى إذا فعلت فعلوا ) وبالفعل عندما رأى الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشر ذلك قاموا على الفور وفعلوا مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأثير القدوة في نفوس الناس أمر طبيعي لأنها نابعة من غريزة تكمن في نفوس البشر أجمع لأنها رغبة ملحة تدفع الإنسان مهما كان عمره إلى محاكاة سلوك من هو في موضع القدوة(40 [40] ).
1- أهمية التربية الصامتة للأتباع : في صلح الحديبية، وبعد أن فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من قضية الكتاب قال للصحابة رضي الله عنهم : [ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا ] قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُـوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُـمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كـَادَ بَعْضُهُـمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا. رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد .
2-لا بد للقدوة أن يوضح بعـض التصرفات التي يقوم بها للأتباع خاصة تلك التي تحتمل التأويل السيء , ومثالاً على ذلك جـاءت صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجـد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة, ثم قامت تنقلب , فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليقلبها ؛ حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقـال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: [عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ] فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا] خرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد كلهم عن الحسين بن علي , يقول ابن حجر: وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتزار، ويقول ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظنّ بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم.
3-عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت؛ فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عُرْي في عنقه السيف وهو يقول: [ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا] أخرجه السبعة ماعدا النسائي , فهذه الدعوة الصادقة للشجاعة هي التي أخرجت أعمى كابن أم مكتوم يصر على الجهاد ، ويحمل الراية ويقاتل حتى يقتل ، وهي التي أخرجت أعرج كعمرو بن الجموح يبكي لأنه أعفي من الجهاد، ثم يطلب بإلحاح مشاركة المجاهدين، ويقول: إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، ويقاتل حتى يقتل.
4-روى البخاري في صحيحه عن عقبة قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر فسلم , ثم قام مسرعًا , فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم , فرأى أنهم عجبوا من سرعته , فقال: [ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ] رواه مسلم والنسائي وأحمد.
ولكم ألقى الشطان في نفوس بعض المربين أن الإنفاق أمام المتربين من الرياء , فيحجم عن أصل من أصول العملية التربوية، وبالتالي يفاجأ هذا الأخ بظهور علامات الشحّ على من يربيهم مع أنه أعطاهم دروسًا كثيرة عن الإنفاق، وينسى حقيقة وهي هل رأوا واقعًا عمليًا للإنفاق من مربيهم؟
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن يقتدوا بأفعاله في أهم الأعمال وأفضلها، كقوله لهم في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي.." [البخاري (1/155)] وكان يعلّمهم الصلاة بالفعل مع القول. وقال لهم في الحج: "لتأخذوا عني مناسككم" [مسلم (2/943)].
النماذج القرآنية الصالحة من الأنبياء وغيرهم هي قدوات وأسوات على مستوى عال ورفيع ، بل هم القدوات المطلقة ، وما عداهم فقدوات محدودة .
فالنبي نوح (عليه السلام) قدوة في الصبر على جفاء الناس وإعراضهم عن الحقّ .
والنبي إبراهيم (عليه السلام) قدوة في التسليم والانقطاع والطاعة إلى الله .
والنبي موسى (عليه السلام) قدوة في العفّة والأمانة والقوّة .
والنبي عيسى (عليه السلام) قدوة في البرّ والصلاح وخدمة الناس .
والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة مطلقة في ذلك كلّه وأكثر ، فهو المثل الأعلى في كلّ شيء علماً ومنطقاً وخلقاً وسيرة وقيادة وإدارة وإيماناً وصبراً على الأذى وشجاعة وحلماً ، وما دام على خلق عظيم ، وقد جاء ليتمم مكارم الأخلاق ، فإنّ مبررات الإقتداء به تحملها شخصيته العملاقة الفذّة .
وكما كان قدوة للمسلمين رجالاً ونساءً ، فإن ابنته فاطمة الزهراء سيِّدة نساء العالمين ، هي قدوة للنساء والرجال أيضاً . فالقدوة ـ كما أكّدنا ـ لا جنسية لها ، فكلّ رجل يمكن أن يصبح قدوة للرجال وللنساء ، وكلّ امرأة يمكن أن تصبح قدوة لبنات جنسها وللجنس الآخر خاصّة وأنّ المشتركات الانسانية بين الجنسين لا تجعل هناك حدوداً فاصلة إلاّ بحسب طبيعة التركيبة الجسدية لكلّ منهما .
والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة أيضاً لشباب المسلمين في شبابه الذي امتاز باستقامة السلوك والصدق والأمانة .
وهو قدوة لهم في عمله بالرعي وبالتجارة .
وقدوة لهم في سعيه الحثيث لبناء شخصيته الإيمانية في تعبّده قبل البعثة في غار حراء .
وهو قدوة لهم في كل عمل عمله ، وموقف وقفه ، وأخلاق تمسّك بها ، ودفاع مستميت عن عقيدته ورسالته ، حتى أن قريشاً لم تسجّل عليه لا في فتوته الأولى ولا في شبابه نقطة سلبية واحدة ، ولذا حقّ على شبان المسلمين وفتياتهم أن يكون لهم فيه أسوة حسنة .
والزهراء (عليها السلام) هي بضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتربيته التي أهّلتها إلى أن تكون في موقع السيادة على نساء العالمين ، والمثل الأعلى لكل فتاة مسلمة كانت أو غير مسلمة .
لقد كانت قدوة في برّها بأبيها .
وقدوة في عفافها ونجابتها وطهارتها واستقامة سيرتها .
وقدوة في علمها الذي انعكس على سلوكها ومواقفها .
وقدوة في بيت الزوجية التي بذلت قصارى جهدها لإسعاد زوجها الذي كان إذا رآها انجلت عنه الهموم .
وقدوة في تربيتها لابنتها زينب (عليها السلام) وولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) سيِّدي شباب أهل الجنّة .
وقدوة في صبرها وتحمّلها وأناتها وجلدها .
وقدوة في حوارها وبيانها وخطابها الذي يعتمد القرآن وسنّة النبي منهجاً له .
إنّها المثل الأعلى الذي ندعو فتيات المسلمين وحتى غير المسلمات إلى قراءته وتمثّله والإهتداء بهديه .
لقد ضرب الله في القرآن للشباب أمثلة كثيرة : في إبراهيم (عليه السلام)الفتى الذي حطّم الأصنام ، وفي إسماعيل (عليه السلام) الفتى الذي استسلم لإرادة الله بذبحه ، وفي (يوسف) الفتى الذي استعصم ولم يقرب الفاحشة ، وفي موسى (عليه السلام) الفتى الذي كان عفيفاً وأميناً في تعامله مع النساء .
وضرب للنساء مثلين صالحين : (وضرب الله مثلاً للّذين آمنوا إمرأة فرعون إذ قالت ربّ إبن لي عندك بيتاً في الجنّة ونجِّني من فرعون وعمله ونجِّني من القوم الظالمين * ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين )(4) .
ابنة عمران زوجة فرعون
أخرج البخاري عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنه- قال: (بِت عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النبِي صلى الله عليه وسلم مِنْ الليْلِ فَلَما كَانَ فِي بَعْضِ الليْلِ قَامَ النبِي صلى الله عليه وسلم فَتَوَضأَ مِنْ شَن مُعَلقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا، وَقَامَ يُصَلي، فَتَوَضأْتُ نَحْوًا مِما تَوَضأَ ثُم جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِه فَحَولَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُم صَلى مَا شَاءَ الله).
فهذا ابن عبّاس وهو طفل، يشاهد أمامه من يقوم الليل فيسارع بالاقتداء، فلو أننا أمرنا أبناءنا بقيام الليل بالقول فقط ما وجدتهم يستجيبون أو يفهمون ما نقول، ولكن لو استعضنا القول بمثال مؤثر يرونه أمامهم لأدركوا حينها أهميّة الأمر ولتعلّموا كيفيّته ولبادروا إلى تطبيقه، وما أكثر هذا المثال في حياتنا، فالأطفال -ذكوراً وإناثاً- تراهم يقلدون آباءهم في تنفيذ حركات الصلاة.
قال الحسن البصري: عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل "
التربية الصالحة. هذا إبراهيم بن وكيع
يقول: كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى حتى جارية لنا سوداء.
معلّم الصف إذا دخن فعليه وزر مضاعف ، وزر أنه عصى الله ، والطلاب الصغار يرون معلمهم ، وهو قدوة لهم يدخن ، فيرون التدخين من لوازم القادة ، مثلاً .
سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته ، وقال : " إني قد أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير ، إن رأوكم وقعتم وقعوا ، وايم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني " ، فصارت القرابة من عمر مصيبة .
ولما نبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه وقال: "إني اتخذت خاتماً من ذهب" فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبداً" فنبذ الناس خواتمهم فدلَّ ذلك على أنَّ الفعل أبلغ من القول.
كثيرة بحمد الله الصفحات المضيئة في تاريخنا وحاضرنا، وذكر طرف من الأخبار فيه تقوية للهمم وتنشيط للعزائم؛ لتكون قدوات يستفيد منها المسلم في نفسه ويتعدى نفعها إلى من حوله.
عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف، وهو يقول: "لم تراعوا...لم تراعوا" متفق عليه.
قال أبو العباس الرقي ـ وكان من حفاظ الحديث ـ: إنهم دخلوا على أحمد بالرقة وهو محبوس فجعلوا يذكرونه ما يروى في التقية من الأحاديث. فقال أحمد: فكيف تصنعون بحديث خباب: "إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه"؟
أمهات المؤمنين ومن سارت سيرهن .. فكوني معهن مؤتمرةً بأمر نداء الله : ( يا أيها النبيُّ قلْ لأزواجكْ وبناتكَ ونساءِ المؤمنين يُدنينَ عليهنَّ من جلاليبهن ) .. قالت عائشة رضي الله عنها : " يرحم الله نساء المهاجرات الأوَل لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرْنَ بها " ..
وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : " لما نزلت ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) خرجَ نساءُ الأنصار كأنَّ على رؤسهنَّ الغربان من الأكسية " .. إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة ..
إنه الاستسلام والخضوع والسجود الحقيقي .. تلك هي الصلاة المعبِّرة .. لا صلاة الكثيرات اللاتي يكذبُ ركوعُهنَّ وسجودُهنَّ ؛ إذ لا يُعبِّرُ عن مطلق الانقياد .. وإنما عن انقياد الهوى : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُرَدُّونَ إلى أشدِّ العذاب وما الله بغافل عمَّا تعملون ) ..
وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم بكل فعالية واقتدار أخلاقيات وسلوكيات القدوة الحسنة في شأنه كله في الحرب والسلم ففي غزوة الخندق كان يحفر بيده الشريفة مع أصحابه وكان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، وكان لهذه القدوة أكبر الأثر في نفوس الصحابة وتجلت عظمة أثر هذه القدوة عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلح الحديبية أن يتحللوا من العمرة فلم ينفذوا وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزوجه أم سلمة ( هلك الناس أمرتهم فلم ينفذوا ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم . قالت له ( أفعل أنت ذلك حتى إذا فعلت فعلوا ) وبالفعل عندما رأى الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشر ذلك قاموا على الفور وفعلوا مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأثير القدوة في نفوس الناس أمر طبيعي لأنها نابعة من غريزة تكمن في نفوس البشر أجمع لأنها رغبة ملحة تدفع الإنسان مهما كان عمره إلى محاكاة سلوك من هو في موضع القدوة(40 [40] ).
1- أهمية التربية الصامتة للأتباع : في صلح الحديبية، وبعد أن فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من قضية الكتاب قال للصحابة رضي الله عنهم : [ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا ] قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُـوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُـمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كـَادَ بَعْضُهُـمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا. رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد .
2-لا بد للقدوة أن يوضح بعـض التصرفات التي يقوم بها للأتباع خاصة تلك التي تحتمل التأويل السيء , ومثالاً على ذلك جـاءت صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجـد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة, ثم قامت تنقلب , فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليقلبها ؛ حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقـال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: [عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ] فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا] خرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد كلهم عن الحسين بن علي , يقول ابن حجر: وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتزار، ويقول ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظنّ بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم.
3-عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت؛ فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عُرْي في عنقه السيف وهو يقول: [ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا] أخرجه السبعة ماعدا النسائي , فهذه الدعوة الصادقة للشجاعة هي التي أخرجت أعمى كابن أم مكتوم يصر على الجهاد ، ويحمل الراية ويقاتل حتى يقتل ، وهي التي أخرجت أعرج كعمرو بن الجموح يبكي لأنه أعفي من الجهاد، ثم يطلب بإلحاح مشاركة المجاهدين، ويقول: إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، ويقاتل حتى يقتل.
4-روى البخاري في صحيحه عن عقبة قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر فسلم , ثم قام مسرعًا , فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم , فرأى أنهم عجبوا من سرعته , فقال: [ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ] رواه مسلم والنسائي وأحمد.
ولكم ألقى الشطان في نفوس بعض المربين أن الإنفاق أمام المتربين من الرياء , فيحجم عن أصل من أصول العملية التربوية، وبالتالي يفاجأ هذا الأخ بظهور علامات الشحّ على من يربيهم مع أنه أعطاهم دروسًا كثيرة عن الإنفاق، وينسى حقيقة وهي هل رأوا واقعًا عمليًا للإنفاق من مربيهم؟
الثلاثاء يناير 07, 2014 8:22 am من طرف حاتم السحيمات
» اكبر خمس اخطاء في التاريخ
السبت فبراير 16, 2013 1:57 am من طرف حسين الدرادكة
» قلوب بحاجة الى ..... delete
الجمعة أغسطس 10, 2012 1:33 am من طرف rbbe sahel amre
» الاقلام العملاقة...
الجمعة أغسطس 10, 2012 1:31 am من طرف rbbe sahel amre
» سر ألوان الفراشات
الخميس أغسطس 09, 2012 5:14 am من طرف حسين الدرادكة
» قلب يُخجِل من حوله ..
الخميس أغسطس 09, 2012 5:12 am من طرف حسين الدرادكة
» برنامج الصائم...
الأربعاء أغسطس 08, 2012 11:44 pm من طرف حسين الدرادكة
» الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
الخميس يونيو 07, 2012 12:42 am من طرف rbbe sahel amre
» الاعجاز اللغوي والبياني في القرأن الكريم
الخميس يونيو 07, 2012 12:40 am من طرف rbbe sahel amre